حكاية المرحوم المختار الجوادي

منذ أيام اتصلت بي عبر الفايسبوك فتاة قيروانية تدرس الحقوق بكلية سوسة قدمت لي نفسها بأنها إبنة أول بائع متجول يحرق نفسه احتجاجا على سوء المعاملة في عهد الرئيس المخلوع وذلك منذ سنة 1993 وأنها تريد أن تعيد فتح ملف والدها للضبابية التي أحاطت به ولأنّها بفضل هذه الثورة أحست لأول مرة بالفخر بوالدها الثائر بعد ان كبرت وعاشت وهي تواري حكايته ومأساتها.
التقيتها في منزلها رفقة والدتها وزوجها وهي التي احتفلت بعيد ميلادها العشرين منذ يوم لتروي لي الحكاية المدعمة بنسخ من محاضر البحث والشهود وغيرها.
المرحوم المختار الجوادي بائع خضراوات وغلال من القيروان تعسّف عليه أعوان التراتيب بحجز بضاعته في اليوم الأول وميزانه في اليوم الثاني ذات 1993، يومها كان مهموما بمرض صغيرته الوحيدة مروى وتوقه للفراغ باكرا من عمله للرجوع إلى البيت ورؤيتها والاطمئنان عليها.
تقول ابنته، لقد ذهب إليهم ليتوسل لرد الميزان الذي استلفه من أحدهم، ولكنه لم يجد آذانا صاغية، قال لهم إنّ ابنته مريضة ويحتاج لتسوية مشكلته للعودة إلى البيت فلم يستمعوا له؟ ذهب وعاد إليهم بوعاء فيه بترول وسكبه على نفسه، ولكنهم تهكموا منه وحثوه على اتمام ما بدأه فأشعل النار.
تقول مروى في المحضر كتبوا أنه رفض خطية بعشرة دنانير وقال لهم لا يملك المال ثم نجد أنه ترك حافظة نقود تحوي أكثر من ستين دينارا فهل يعقل هذا؟
في المحضر كتبوا أن رئيس المركز ظن أنّه سكب ماء على جسده حتى أنّه قال له من سيمسح الماء المسكوب على الأرضية؟ أفرائحة البترول خافية إلى هذه الدرجة حتى يظن ذلك؟
في المحضر ذكروا أنّهم استنطقوه وهو مصاب بحروق من الدرجة الثانية في ثمانين بالمائة من جسده وأجابهم بكل راحة بال حيث أعلمهم بإسمه الثلاثي وتاريخ ولادته واسم والدته وزوجته وحتى عنوانه بالرقم واسم النهج ثم أجابهم عن الواقعة وكيف حجزوا له البضاعة والباتيندة وبطاقة التعريف في اليوم الأول والميزان في اليوم الثاني، وكيف تمت تخطئته بـ10 دنانير وكيف انه تعلل بقلة الحاجة وأنه سكب مادة البترول على جسده وأضرم في نفسه النيران بسبب «ظلم الزمان» وبعد أن أوصى بإبنته خيرا أغمي عليه وتوفي إثر ذلك.
ابنته تدعو إلى فتح تحقيق في وفاة والدها لأن زملاءه ينكرون أنه تمت تخطئته، وكيف تم تشجيعه على اتمام العملية وكذلك محاسبة معتمد القيروان الشمالية وقتها الذي بعث برقية شكر إلى الرئيس المخلوع بإسم والدتها حين مكنها من عمل بمصنع التبغ، وتتبع من كتب محضر التسليم الذي فيه أن الزوجة ذهبت إلى المنطقة لتسلم ما يخص زوجها، فهي لم تزر منطقة الشرطة إطلاقا بل زارت المعتمدية بإلحاح من المعتمد ليقع إعلامها أنّه بفضل الرعاية الموصولة لسيادة الرئيس وقع تمكينها من شغل كعاملة بمصنع التبغ وعليه لا بد من تقبيل الأيادي الرئاسية ببرقية شكر.
تقول مروى أنا الآن فخورة أن أبي قد مات شهيد القوت وأريد أن يقع رد اعتباره بعد أن قال الوالي وقتها أن أبي مات لأنه كان شاربا لمادة الكحول فكيف يعقل لرجل لا يشرب أن يشرب الكحول وفي العاشرة صباحا، هذا الوالي الذي استنكر عليه زملاء والدي قوله هذا فقال لهم «تو يلقى حقو يوم القيامة» وفي هذا إقرار أن للرجل حقوقا لم ينلها.